-A +A
شتيوي الغيثي
بعيدا عن الصراع الفكري في المجتمع السعودي الذي يمكن أن يفسد القراءات الأدبية فإنني سأعترف أنني ممن كان العشماوي رمزا شعريا له في سنوات مضت، ولكن بعد طول نظر وتعدد في المصادر الأدبية والفكرية لم تعد شعرية العشماوي تغريني في القراءة لما في شعره من مباشرة أفسدتها الكثير من الصور المنمقة في بدايتها لكنها تبدو مع تكرار النظر عادية فهو يمتلك ديباجة شعرية سريعا ما تضعف أثناء القراءة الفاحصة. سأعطي نموذجا مشهورا هنا من شعره (والشهرة ليست شرطا للجودة) من قصيدته : (تنوعت الجراح)، ومنذ المطلع: (تقول أسى فقلت لها حريق .. بشدة ناره صدري يضيق) نرى الديباجة الجيدة في الشطر الأول في ثنائية الأسى / الحريق، لكن أفسد رونقها في الشطر الثاني (بشدة ناره صدري يضيق) إذ إن طبيعة الحريق اشتداد النار فهذا حشو شعري لا قيمة له، ثم زاد في الضعف بضيق الصدر في مقابل اشتداد الحريق الذي كان من المفترض أنه أكثر احتراقا من مجرد ضيق الصدر. ثم يمضي في قصيدته في صور مكرورة (تسافر بي الجراح .. أخوض بزورقي بحر المآسي .. إلخ ) في تقريرية ومباشرة لا تليق بشاعر له شهـرة واسعة ويعتبر رمزا شعريا عند الكثيرين من قبيل (أرح ياصاحبي عقلا وقلبا.. فحبل الدين في قلبي وثيق) وهذه لغة خطابية وليست شعرية .. وأنا أتحدث هنا عن الشعرية فقط وليس عن القيمة الدينية التي كثيرا ما تتكيء عليها قصائده. وحتى لا أكون متجنيا ففي القصيدة بيتان هما اللذان يمكن أن تكون فيهما صورة شعرية جيدة هما:
(وكيف أريد ملء الكأس ماء .. إذا كانت يدي الأخرى تريق ) والآخر هو الشطر الثاني من البيت : (سألتك والسؤال له جواب.. أيجمع حين ينتثر الدقيق؟) أما الشطر الأول من هذا البيت فهو ممعن في التقريرية والمباشرة والحشو الشعري فمن طبيعة السؤال أن يكون له جوابا..

من الصعب أن أمضي في تتبع مجمل قصائد الرجل إذ يحتاج ذلك إلى صفحات كثيرة لكني اخترت هذا النموذج لشهرتـه لتوضيح تقريريـة شعره، وكما قلت فإن الشهرة لا تعني الجودة، وإلا فإن شعراء كثيرين أكثر عمقا لم يشتهروا إلا في عصور لاحقة وليس في عصورهم بعكس من يشتهـر بعصره ثم ينطفي في العصور اللاحقة وأتوقع شعر العشماوي من هذا النوع الذي ينطفي مع الوقت واتساع الذائقة الشعرية.